انتشار فيروس كورونا

 • في ظل عدم وجود آليات دولية مشتركة لمواجهة هذه الأزمة، أصبح تعويل المواطنين بالدرجة الأولى على إجراءات حكوماتهم، الأمر الذي عزّز الثقة في تلك الحكومات، خاصةً في ظل تميّز الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج على كافة الصُّعُد، ومنها الطبي على نحوٍ خاص، فضلاً عن تعزيز مفهوم الوطنية والانتماء، وهو ما عكسته المبادرات التطوعية في عددٍ من دول الخليج، بالإضافة إلى إنهاء حالة الاستقطاب داخل بعض الدول.

• مع أهمية التحالفات والشراكات الدولية، فإن تنويعها يبقى ضرورةً استراتيجية، في ظل تغيّر المعادلات الدولية ومراكز القوى، والتي عكست أزمة كورونا بدايتها.

• كانت أزمة كورونا اختباراً حقيقياً لمبدأ التضامن الذي تنهض عليه التحالفات والشراكات الدولية، بما يعني أن تلك التكتّلات ربما تشهد تحولاتٍ في أعقاب هذه الأزمة.

• بغض النظر عن طبيعة النظام الدولي الذي سوف يتمخض عن أزمة كورونا، فإنه مما لا شك فيه أن الرابحين في إدارة هذه الأزمة هم من سوف يشكلون ملامح ذلك النظام.

• مع تعدد الآثار التي شكّلتها أزمة كورونا على الأمن الإقليمي، فإن أكثرها خطورةً حالة الفراغ الأمني التي قد تنشأ بسبب انسحاب القوات الدولية التي كانت تعمل على تدريب قوات الأمن العراقية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، والتي بدأت بالفعل في تبنّي مفهومٍ دينيٍّ متطرف لتفسير الأزمة، من ناحيةٍ أخرى سيشكّل ذلك الفراغ فرصةً سانحةً لإيران لتأجيج الصراعات الإقليمية.

• قدمت دول الخليج – التي لطالما كانت هدفاً لحملاتٍ منظمةٍ من جانب المنظمات الحقوقية الدولية – نموذجاً يحتذى به في احترام حقوق الإنسان، منذ بدايات أزمة كورونا، حينما قامت بإجلاء مواطنيها من مدينة ووهان الصينية، في حين أن مواطني العديد من الدول لا يزالون عالقين في المطارات حتى لحظة كتابة هذا التقرير، بالإضافة إلى الإجراءات الاحترازية، والتأكيد على القدرة الاستيعابية للتعامل مع حالات الإصابة أو الاشتباه في الإصابة بذلك الفيروس، فضلاً عن التأكيد على أن الخدمات الطبية تُقدّم للوافد والمقيم على حدٍ سواء، وهي جميعاً مؤشرات لا بد من توظيفها مستقبلاً للرد على الحملات المشبوهة لتلك المنظمات تجاه دول الخليج.

الخلاصة الاستراتيجية والدروس المستفادة لدول الخليج من أزمة كورونا

• في ظل عدم وجود آليات دولية مشتركة لمواجهة هذه الأزمة، أصبح تعويل المواطنين بالدرجة الأولى على إجراءات حكوماتهم، الأمر الذي عزّز الثقة في تلك الحكومات، خاصةً في ظل تميّز الإجراءات التي اتخذتها دول الخليج على كافة الصُّعُد، ومنها الطبي على نحوٍ خاص، فضلاً عن تعزيز مفهوم الوطنية والانتماء، وهو ما عكسته المبادرات التطوعية في عددٍ من دول الخليج، بالإضافة إلى إنهاء حالة الاستقطاب داخل بعض الدول.

• مع أهمية التحالفات والشراكات الدولية، فإن تنويعها يبقى ضرورةً استراتيجية، في ظل تغيّر المعادلات الدولية ومراكز القوى، والتي عكست أزمة كورونا بدايتها.

• كانت أزمة كورونا اختباراً حقيقياً لمبدأ التضامن الذي تنهض عليه التحالفات والشراكات الدولية، بما يعني أن تلك التكتّلات ربما تشهد تحولاتٍ في أعقاب هذه الأزمة.

• بغض النظر عن طبيعة النظام الدولي الذي سوف يتمخض عن أزمة كورونا، فإنه مما لا شك فيه أن الرابحين في إدارة هذه الأزمة هم من سوف يشكلون ملامح ذلك النظام.

• مع تعدد الآثار التي شكّلتها أزمة كورونا على الأمن الإقليمي، فإن أكثرها خطورةً حالة الفراغ الأمني التي قد تنشأ بسبب انسحاب القوات الدولية التي كانت تعمل على تدريب قوات الأمن العراقية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، والتي بدأت بالفعل في تبنّي مفهومٍ دينيٍّ متطرف لتفسير الأزمة، من ناحيةٍ أخرى سيشكّل ذلك الفراغ فرصةً سانحةً لإيران لتأجيج الصراعات الإقليمية.

• قدمت دول الخليج – التي لطالما كانت هدفاً لحملاتٍ منظمةٍ من جانب المنظمات الحقوقية الدولية – نموذجاً يحتذى به في احترام حقوق الإنسان، منذ بدايات أزمة كورونا، حينما قامت بإجلاء مواطنيها من مدينة ووهان الصينية، في حين أن مواطني العديد من الدول لا يزالون عالقين في المطارات حتى لحظة كتابة هذا التقرير، بالإضافة إلى الإجراءات الاحترازية، والتأكيد على القدرة الاستيعابية للتعامل مع حالات الإصابة أو الاشتباه في الإصابة بذلك الفيروس، فضلاً عن التأكيد على أن الخدمات الطبية تُقدّم للوافد والمقيم على حدٍ سواء، وهي جميعاً مؤشرات لا بد من توظيفها مستقبلاً للرد على الحملات المشبوهة لتلك المنظمات تجاه دول الخليج.

أكدت أزمة كورونا – بما لا يدع مجالاً لأدنى شك – أن هناك حالةٌ من الاعتماد المتبادل بين دول العالم، ومن ثمّ فإن مصير العالم يظل واحداً مهما تباينت المصالح والقيم، بما يعني حتمية تفعيل أُطُر العمل المشترك التي يُعوّل عليها في مثل هذه الأزمات، وفي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على مواجهة هذه الأزمة بشكلٍ جماعي فإن ذلك يمنح الفرصة مجدداً لتنظيمات الأمن الإقليمي للاضطلاع بدورها في مثل هذه الأزمات والكوارث.

• أعادت هذه الأزمة تسليط الضوء مجدداً على دور المجتمع المدني والعمل التطوعي إبان الأزمات، وهو الذي يدعم دور الأجهزة الحكومية بشكلٍ كبير، وقد اتضح ذلك من خلال العمل التطوعي في دول الخليج.

• اعتادت دول العالم على الحديث عن الإعلام والأزمات، خاصةً الإعلام الأمني، إلا أن هذه الأزمة قد سلطت الضوء على الإعلام الطبي، وهو مجالٌ جديدٌ يتعيّن الاهتمام به خلال السنوات المقبلة.

• حاجة الجيوش وقوات الأمن لصياغة برامج تدريبية للتعامل مع أزماتٍ شاملةٍ من هذا النوع مستقبلاً.

• أكدت أزمة كورونا – بما لا يدع مجالاً لأدنى شك – أن هناك حالةٌ من الاعتماد المتبادل بين دول العالم، ومن ثمّ فإن مصير العالم يظل واحداً مهما تباينت المصالح والقيم، بما يعني حتمية تفعيل أُطُر العمل المشترك التي يُعوّل عليها في مثل هذه الأزمات، وفي ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على مواجهة هذه الأزمة بشكلٍ جماعي فإن ذلك يمنح الفرصة مجدداً لتنظيمات الأمن الإقليمي للاضطلاع بدورها في مثل هذه الأزمات والكوارث.

• أعادت هذه الأزمة تسليط الضوء مجدداً على دور المجتمع المدني والعمل التطوعي إبان الأزمات، وهو الذي يدعم دور الأجهزة الحكومية بشكلٍ كبير، وقد اتضح ذلك من خلال العمل التطوعي في دول الخليج.

• اعتادت دول العالم على الحديث عن الإعلام والأزمات، خاصةً الإعلام الأمني، إلا أن هذه الأزمة قد سلطت الضوء على الإعلام الطبي، وهو مجالٌ جديدٌ يتعيّن الاهتمام به خلال السنوات المقبلة.

• حاجة الجيوش وقوات الأمن لصياغة برامج تدريبية للتعامل مع أزماتٍ شاملةٍ من هذا النوع مستقبلاً.

مقدمة

لاشك لا شك أن أزمة كورونا، التي أضحت العنوان الرئيسي والوحيد في وسائل الإعلام المختلفة في كافة دول العالم من أقصاه إلى أقصاه، تُعدّ تحدياً غير مسبوق، الأمر الذي حدا بدول العالم لإعلان حالة الاستنفار القصوى لمواجهة هذا التحدي، إذ لم يرتبط بقطاعٍ ما، بل بمسار الحياة اليومية الاعتيادية، فعلى إثره توقفت حركة العالم وأُصيبت كافة القطاعات الحيوية بحالة من الشلل التام، وثمة خمسة عوامل يمكن أن تفسر لماذا كان تحدياً غير مسبوق:

الأول: أنه مقارنةً بالأزمات التي شهدها العالم من قبل، والتي بلغت أقصاها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن دول العالم كانت تعرف من هي الأطراف المتحاربة ومدى ومسار هاتين الحربين، بينما في حالة هذا الوباء فإن العالم بأسره يحارب عدواً مجهولاً يضرب بلا هوادة كافة مناحي الحياة، وأجبر أكثر من نصف سكان المعمورة على ملازمة منازلهم.

الثاني: أن دول العالم قد اعتادت على التعامل مع أزماتٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ وبيئيةٍ واجتماعية، ولم يكن في حسبانها وقوع أزمةٍ صحيةٍ تتجاوز متطلبات مواجهتها إمكانات الدول كافة بما فيها الدول المتقدمة، وبالتالي كان عنصر المفاجأة – الذي يميّز الأزمات والكوارث – حاضراً وبقوة.

الثالث: اختلاف درجة اهتمام الدول بالقطاع الصحي عموماً. صحيحٌ أنه يتم إدراج موازنةٍ لهذا القطاع ضمن الموازنات السنوية للدول، إلا أنه لم يكن في الحسبان أن تكون هناك حالة طوارئ يصبح فيها هذا القطاع هو المتصدر للمشهد ويتحمّل كل الأعباء.

الرابع: اختلاف دول العالم فيما بينها بشأن الاهتمام بمسألة إدارة الأزمات عموماً، وفكرة الاجراءات الاحترازية، أو بالأحرى، عدم وجود سيناريوهات تم تصميمها مسبقاً للتعامل مع أزمات دولية من هذا النوع.

الخامس: ضعف الآليات الدولية للعمل الجماعي. صحيحٌ أن هناك منظمات متخصصة، منها منظمة الصحة العالمية، ولكن ليست لها سلطة فوقية يمكن من خلالها إلزام الدول على انتهاج هذا المسار أو ذاك، خاصةً تحرّي الشفافية في تقديم المعلومات حول هذا الوباء.

وتأسيساً على ما سبق، يهدف هذا التقرير الاستراتيجي إلى التعرف على تداعيات هذه الأزمة على مجمل قضايا الأمن العالمي والأمن الإقليمي، والآليات التي انتهجتها دول العالم لإدارة هذه الأزمة، من خلال قسمين على النحو التالي:

القسم الأول: التداعيات التي سبّبتها أزمة كورونا

من خلال تحليل مضمون هذه الأزمة وتداعياتها الأولية، يجب التأكيد على أنها ليست أزمةً عابرة، حتى وإن سبّبت آثاراً وقتية تجلّت في حالة الارتباك التي سادت العالم من أقصاه إلى أقصاه، فضلاً عن التداعيات الاقتصادية المباشرة على القطاعات التي تمسّ حياة المواطنين بشكلٍ يومي، إلا أن هذه الأزمة سيكون لها تأثيرٌ على منظومة العلاقات الدولية، وكذلك على الأمن الإقليمي، لكونها حدثٌ سوف يغيّر شكل العالم، على غرار التحولات الكبرى مثل الحرب العالمية الثانية أو أحداث 11 سبتمبر 2001م، أو ظهور تنظيم داعش عام 2014م، ويمكن تلخيص أهم تداعيات هذه الأزمة على النحو التالي:

• تأثير الأزمة على التحالفات والشراكات الدولية الراهنة

تنهض فكرة التحالفات الدولية والتنظيمات الإقليمية على مفهوم التضامن بين الدول، ليس إبان السلم فحسب بل أيضاً في حالات الحروب والطوارئ، وهو الفكرة التي تأسس بموجبها حلف الناتو وكذلك منظومة الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الشراكات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، ومن ثمَّ إذا ما أخفقت التحالفات والتنظيمات الإقليمية في تحقيق ذلك المفهوم، فإن بقاءها يصبح محل جدل. ولقد اتضح ذلك خلال أزمة كورونا في أمرين، الأول: تخلي الولايات المتحدة عن شركائها الأوروبيين منذ بدايات انتشار الوباء، من خلال إغلاق حدودها مع الدول الآوروبية باستثناء بريطانيا. صحيح أن أزمة كورونا لم تكن منشأً للخلاف الأمريكي- الآوروبي، لكنها كشفت حجم هذا الاختلاف. أما الأمر الثاني فهو: ظهور ما يشبه "التشرذم الأوروبي" في مواجهة الأزمة، سواءً من خلال إغلاق الدول الآوروبية للحدود فيما بينها، أو التنافس للحصول على المعدات الطبية من الصين، بالإضافة إلى عدم وجود خطة عاجلة لإنقاذ إيطاليا؛ الدولة الأكثر تضرراً من جراء الوباء، رغم أن الميثاق المؤسس للاتحاد الأوروبي ينص في إحدى مواده على تبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، إلا أن الأزمة أظهرت سلوكياتٍ غير مسبوقةٍ بين دول الاتحاد، حيث أشارت التقارير إلى استيلاء التشيك على كمامات كانت قادمة من الصين نحو إيطاليا، وقد كان واضحاً امتعاض المواطنين الإيطاليين من أسلوب تعامل الدول الآوروبية مع إيطاليا خلال الأزمة، الأمر الذي يجعل من بقائها في الاتحاد الآوروبي بعد انتهاء الأزمة محل تساؤل؟ بلغ هذا الإمتعاض مداه في مقالٍ كتبه سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي بعد رفض الدول الأعضاء طلبات المساعدة التي قدمتها إيطاليا، جاء فيها أنه "على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ خطواتٍ ملموسة، مؤثرةٍ وعاجلة، وألا يكتفي فقط بالاجتماعات وتبادل وجهات النظر"، بل أن بعض وسائل الإعلام أظهرت عدداً من المدن والبلدات الإيطالية تقوم بإنزال علم الاتحاد الأوروبي عن السواري، ورفع علم الصين بدلاً منه تقديراً لدعمها لإيطاليا ولغيرها من الدول المنكوبة في أوروبا، وفي الوقت ذاته، قدمت روسيا مساعداتٍ عاجلةٍ لإيطاليا. تأسيساً على ما سبق، سيعزّز السلوك الأوروبي من خطاب اليمين المتطرف، الذي يرى عدم جدوى الأطر التعاونية الجماعية، كالاتحاد الآوروبي وحلف الناتو، ويفسر ذلك قرار بعض الدول تأجيل الانتخابات، ومنها قرار فرنسا بتأجيل الانتخابات البلدية حتى لا تكون فرصةً سانحةً لليمين المتطرف للصعود إلى سدة الحكم، إلا أن هذه الأزمة سوف تلقي بظلالها على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، حيث قد تمنح منافسي الرئيس ترمب فرصاً أفضل للفوز حال إخفاقه في معالجة التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا على الاقتصاد الأمريكي، انطلاقاً من أن خطة ترمب للنهوض بالاقتصاد الأمريكي كانت سبباً رئيسياً لفوزه في الانتخابات.

ورغم ما كشفت عنه الأزمة من هشاشة وضعف التنظيمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، وكذلك ضعف الشراكات والتحالفات الدولية، فإن ذلك لا يعني توقع انهيار منظومة الاتحاد الأوروبي لثلاثة أسباب، الأول: أنه نشأ عبر تطورٍ تاريخيٍ بشكلٍ متكامل، سواءً على المستوى الآيديولوجي أو الواقعي. والثاني: استمرار رؤية الاتحاد الأوروبي لروسيا كتحدٍّ للمصالح الغربية، بغض النظر عن تطور علاقات بعض دوله معها، ومنها إيطاليا. والثالث: أن الأزمة لم تكن تحدياً للاتحاد الأوروبي فحسب، بل لدول العالم كافة، بما يفوق قدراتها، ومع ذلك فقد أعلن الاتحاد عن مبادرةٍ تتضمن تخصيص 300 مليار يورو كمساعداتٍ للشركات لمواجهة تداعيات الوباء، وإطلاق مبادرةٍ لإنشاء صندوق ضمانٍ أوروبي لحماية الاقتصاد ومكافحة آثار الأزمة.

• تأثير الأزمة على النظام الدولي الراهن

منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، يسود العالم نظامٌ عالميٌّ أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، مع وجود مناوءةٍ من جانب روسيا والصين للدفع نحو تأسيس نظامٍ متعدد الأقطاب، وهو ما تجلت آثاره في مؤشراتٍ كثيرة، بيد أن تلك المحاولات لم تفلح في إثناء الولايات المتحدة عن قيادة العالم، إلا أن أزمة كورونا سيكون لها تأثير على طبيعة ذلك النظام. ربما لن تظهر ملامح ذلك النظام على المدى القريب، ولكن مؤشراتها تشي بتحولاتٍ مهمةٍ في هذا الإطار:

أولاً: أظهرت الأزمة فقدان ثقة الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة بأنها ستظل الدولة القائدة في العالم، ليس بسبب قدراتها، وإنما سلوك الإدارة الأمريكية إبان الأزمة، والتي قامت بعزل الأراضي الأمريكية وإغلاق الحدود مع شركائها الأوروبيين، ولا يواجه الرئيس ترمب أزمةً مع شركائه الأوروبيين فحسب، بل أن الأزمة الداخلية لا تقل حدةً عن نظيرتها الخارجية، ليس أقلها ارتفاع عدد طلبات إعانة البطالة وفقاً لبيانات وزارة العمل الأمريكية لنهاية شهر مارس 2020م، والتي تجاوزت 7 ملايين طلب، والتي تعد الأعلى على الإطلاق في تاريخ أرقام طلبات إعانة البطالة، حيث بلغت 695 ألف طلب في أكتوبر 1982م، الجدير بالذكر أن 11 ولاية أمريكية قامت بتسريح آلاف العمال في أعقاب ظهور أزمة كورونا.

ثانياً: سعي الصين لتوظيف هذه الأزمة لإعادة صياغة النظام العالمي، سواءً بتعمُّد افتعال الغموض حول ماهيّة الوباء وكيفية مواجهته – الأمر الذي أسفر في النهاية عن قبول الإدارة الأمريكية بالحوار مع الصين لاحتواء ذلك الوباء، وهو حوارٌ قد ينسحب على قضايا أخرى؛ أو من خلال سعي الصين لدعم شركاء الولايات المتحدة خلال الأزمة، وهو ما تمثّل في إعلان الصين تزويد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 2 مليون كمام و50 ألف جهاز فحص، فضلاً عن إرسال خبراء ومعدات إلى إيطاليا، بالإضافة إلى الوفود الطبية الصينية التي قامت بزيارة عددٍ من دول الشرق الأوسط، ومنها العراق والجزائر وإيران.

ثالثاً: قد يكون من المبكّر القول بتحوّل موازين القوى من الغرب لصالح الدول الآسيوية، إلا أن الأمر المؤكد هو سعي الصين لاستثمار التميّز الآسيوي في إدارة هذه الأزمة، خاصةً في ظل وجود نجاحاتٍ متميّزة لدى كلٍّ من كوريا الجنوبية وسنغافورة.

رابعاً: أن الولايات المتحدة، في ظل المأزق الراهن، ستُضطر لإجراء حوارٍ شاملٍ مع الصين لتفادي الصِّدام معها مستقبلاً، وتعزيز قدراتها في الأسواق العالمية للنهوض بالاقتصاد الأمريكي، وسيكون الحديث عن الموارد هو المحور الرئيسي لأي حوارٍ مستقبليٍّ بين الجانبين، وهو ما سوف ينعكس على النظام العالمي برمته.

خامساً: تأثير الأزمة على صياغة استراتيجيات الأمن القومي للدول الغربية عموماً والولايات المتحدة على نحو خاص، والتي كانت تعدّ التنافس الدولي أبرز تهديداتها، ومن ثمَّ ستكون هذه الاستراتيجيات أكثر ملاءمةً لعالم ما بعد كورونا.

سادساً: بعيداً عن حالة القطبية الأُحادية الراهنة، فإن العالم قد يشهد ما يُطلق عليه "القطبية المرنة"، أي أنه سيكون هناك بروزٌ للدور الروسي وكذلك دور الاتحاد الأوروبي، في ظل انشغال الولايات المتحدة بالتنافس الجديد مع الصين، بحيث أنه لا يكون هناك قائدٌ واحدٌ على الدوام.

سابعاً: الجدل حول سيادة نوعٍ جديدٍ من العولمة الإتصالية، بدلاً من العولمة الإقتصادية الراهنة.

• التشكيك في أداء منظمات العمل الجماعي الدولية

ربما لم تكن أزمة كورونا منشأً لأوجه القصور التي تعتري عمل المنظمات الأممية، فلطالما وُجِّهت انتقاداتٌ لمنظمة الأمم المتحدة بسبب إخفاقها في حل الأزمات الراهنة على مستوى العالم، وكانت مجمل التبريرات أنها ليست منظمةً فوقية، وليس لديها السلطة لإرغام الدول على تنفيذ قراراتها، ولكن إذا كان هذا مقبولاً بالنسبة لعمل المنظمة الأممية، فإن الأمر لا ينسحب على عمل المنظمات المتخصصة التابعة لها، خاصةً منظمة الصحة العالمية، ودورها خلال هذه الأزمة، حيث تبيّنت عدة أمور:

أولاً: تأخر صدور أيّ تصريحاتٍ رسميةٍ من المنظمة بشأن تفشّي الفيروس بشكلٍ كبير، حيث تردد أن الصين مارست ضغوطاً على منظمة الصحة العالمية لعدم إعلان حالة طوارئ دولية بشأن فيروس كورونا، وذلك في بداية تفشّي الوباء في الصين.

ثانياً: اقتصار دور المنظمة على إصدار بيانات بشأن الوضع الراهن لانتشار الفيروس، مع غياب الدور التوعوي والتنسيقي بين الدول، إذ كان يتعيّن عليها التنسيق فيما بين الدول من أجل حشد الجهود الجماعية لمواجهة هذا الفيروس، بالإضافة إلى عدم قدرتها على صياغة توصيات محددة لمواجهة هذا الوباء. فوفقاً للائحة التنفيذية لهذه المنظمة، يتّضح أنه من بين مهامها "تنمية الوعي الصحي، والحفاظ على سلامة العالم، وخدمة القطاعات الأكثر ضعفاً".

ثالثاً: تبيّن تضمُّن العديد من بيانات المنظمة لنوعٍ من الترهيب، كعبارة "الأمل الكاذب في التوصل لمصل" وغيرها، في وقتٍ كان يعاني فيه ملايين البشر من الرعب والفزع، بانتظار بارقة أمل وإن كانت على المستوى المعنوي فحسب.

رابعاً: الغياب الملحوظ لمنظمة أطباء بلا حدود، والتي كان لها دورٌ فاعلٌ في التصدي لفيروس إيبولا في أفريقيا عام 2014، وهي منظمة طبية دولية مستقلة تأسست عام 1971م، وتضم اليوم حوالي 42,000 عضو.

• تأثير الأزمة على الأمن الإقليمي

يُعدّ الأمن الإقليمي جزءًا لا يتجزأ من الأمن العالمي، يتفاعل معه تأثُّراً وتأثيراً، وقد اتضح أثر هذه الأزمة على الأمن الإقليمي من عدة نواحٍ:

أولاً: وقف الاحتجاجات في عدة دول عربية، وهي العراق ولبنان والجزائر.

ثانياً: زيادة التدخلات الإيرانية الإقليمية، حيث عملت إيران على الترويج لخطابٍ مفاده أن العقوبات الأمريكية عليها تعد السبب الرئيسي وراء عدم قدرتها على مواجهة تفشّي الوباء، فضلاً عن تصعيد هجماتها على القوات الأمريكية في العراق عبر وكلائها هناك، ومن ذلك استهداف قاعدة التاجي العسكرية العراقية شمال بغداد بصواريخ كاتيوشا خلال شهر مارس 2020م، مما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين وبريطاني، ويعد هذا الهجوم الثالث والعشرين ضد المصالح الأمريكية في العراق منذ نهاية أكتوبر 2019م، وكذلك تأجيج الصراع في اليمن، وفي هذا الإطار أعلن تحالف دعم الشرعية في اليمن عن إسقاط طائرة بدون طيار أطلقتها المليشيات الحوثية تجاه محافظتي أبها وخميس مشيط.

ثالثاً: ظهور مستجدات في نمط العلاقات الإقليمية، ومن ذلك إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة تقديم دعمٍ مادي لإيران، من خلال طائرة عسكرية تابعة للقوات الجوية الإماراتية، والتي نقلت ما يصل إلى 7,5 طن من الإمدادات الطبية، فضلاً عن الاتصال الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، مع الرئيس السوري بشار الأسد، لمناقشة تداعيات انتشار فيروس كورونا، والذي قال فيه "إن التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".

• تأثير الأزمة على الحرب ضد الإرهاب

كان للأزمة تأثيرٌ واضحٌ على الحرب ضد الإرهاب في عدة مؤشرات:

الأول: إعلان التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، بقيادة الولايات المتحدة، سحب قواته التدريبية من العراق، بعد تعليق برنامج تدريب قوات الأمن العراقية، الأمر الذي قد يمنح التنظيم فرصةً لإعادة ترتيب صفوفه مجدداً. من ناحيةٍ أخرى، أعلنت الولايات المتحدة الانسحاب من قاعدةٍ عسكريةٍ جنوب الموصل، وانتقلت إلى قاعدةٍ أخرى في الأراضي العراقية، ضمن عملية إعادة الانتشار.

ثانياً: تنفيذ تنظيم داعش لعملياتٍ إرهابيةٍ في بعض مناطق العالم، في محاولةٍ لاستئناف نشاطه مجدداً أثناء انشغال العالم بمواجهة وباء كورونا، ومنها هجومين متزامنين في مارس 2020م، أولهما في موزمبيق على موقع قوات الجيش وأسفر عن قتلى وجرحى، وثانيهما استهدف معبداً للسيخ في العاصمة الأفغانية كابول.

ثالثاً: في الوقت الذي قد تنشط فيه الجماعات الإرهابية، لن يكون بمقدور الدول الراعية للإرهاب الاستمرار بنفس الوتيرة التي سبقت أزمة فيروس كورونا، حيث ستخصص مواردها لمواجهة الفيروس.

رابعاً: بافتراض عجز الجماعات الإرهابية عن تنفيذ هجماتٍ كبرى، فلن يحول ذلك دون نمو الخطاب المتطرف مجدداً، إذ بدأت بعض الجماعات المتطرفة بالفعل في توظيف هذه الأزمة، وأن فيروس كورونا هو من "جنود الله في الأرض"، وأن الموت بسببه يُعد من قبيل "الشهادة"، وغيرها من العبارات التي روّجت لها تلك التيارات المتطرفة.

• تأثير الأزمة على الاقتصاد العالمي

تعددت المصادر التي تتحدث عن الآثار الاقتصادية لأزمة كورونا، ومنها تأكيد مصادرٍ بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن النمو الاقتصادي قد ينخفض إلى النصف في حال استمرار انتشار الفيروس. ووفقاً لتوقعات المنظمة، فإن الناتج المحلي العالمي سوف ينمو بنسبة 1,5% فقط خلال العام الحالي 2020م، ما يعني أن العالم سيشهد أزمةً اقتصاديةً لم يشهدها منذ عام 2008م، وستكون آثارها أكثر وضوحاً في كلّ ٍ من اليابان والدول الأوروبية. من ناحيةٍ أخرى، ووفقاً لتقارير منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر العمّال في جميع أنحاء العالم ما يصل إلى 3,4 تريليونات دولار من الدخل بحلول نهاية 2020م، كما توقعت منظمة العمل الدولية أن 25 مليون شخص سيفقدون وظائفهم، مقابل 22 مليون خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008م، بالإضافة إلى تراجع قطاع السياحة العالمي بنسبة 30%، فضلاً عن فقدان برميل النفط 60% من قيمته منذ بداية العام الحالي، ليصل في الوقت الحالي إلى 25 دولاراً للبرميل. وبوجهٍ عام، فإن تأثير أزمة كورونا على أسعار النفط يتّسم بالحدّة والطابع الوقتي، إلا أنه يصعب تقدير ذلك الأثر بشكلٍ دقيق، بسبب تعقُّد الأزمة وانعدام حالة اليقين حول مساراتها المستقبلية. وبوجهٍ عام، تتراوح التوقّعات بشأن تراجع الطلب على النفط خلال العام الحالي 2020م ما بين مليون إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً، فضلاً عن التراجع الحاد في البورصات العالمية، وخسائر الطيران التي قدرها الاتحاد الدولي للنقل بحوالي 252 مليار دولار.

بوجهٍ عام، يمكن القول بأن الاقتصاد العالمي في سبيله نحو الانكماش، في ظل قيام ما يقرب من خُمس سكان العالم بالعزل الذاتي، وتوقّف عجلة الإنتاج في العديد من الدول جراء هذا الفيروس.
تظل هناك قطاعات هي الأكثر تضرراً، هي السياحة والطيران، والبيع بالتجزئة والمطاعم والمواصلات، وسوف تتأثر اقتصادات الدول الخليجية بشكلٍ مضاعف نظراً لاعتماد اقتصاداتها بشكلٍ كبيرٍ على هذه القطاعات. ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، تلعب الزيارات الدينية لأداء مناسك الحج والعمرة دوراً مهماً في الاقتصاد السعودي، كما يعتمد اقتصاد إمارة دبي بشكلٍ أساسي على السياحة والبيع بالتجزئة والمطاعم والطيران.

القسم الثاني: آليات دول العالم لإدارة أزمة كورونا

أولاً: الآليات الأمنية
رغم ارتباط الأزمة بالقطاع الصحي، إلا أنها تمسّ حياة ووجود الإنسان وترتبط بالمجتمع بأسره، وبالتالي تقع مهمة حماية المجتمع على عاتق قوات الأمن والقوات المسلحة، حتى لو تطلب ذلك التدخل لإنفاذ القانون بالقوة، واتضح ذلك من خلال إعلان حالة الطوارئ، واستنفار أجهزة الشرطة وحرس الحدود والمنافذ، وكذلك الأجهزة الطبية بالقوات المسلحة. وقد تبيّن أن عمل تلك الأجهزة كان محكوماً بقوانين الطوارئ أو قوانين أخرى تسري في الأزمات والحروب، حيث سادت قناعةٌ لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية، مؤدّاها أن دولها في حالة حربٍ حقيقية، الأمر الذي كان له أثرٌ ملموس في الفرض الإجباري للإجراءات التي اتخذتها الحكومات. وتميّزت مملكة البحرين بجهودها في هذا الشأن، من خلال الشرطة والدوريات الأمنية التي انتشرت في الشوارع العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد أيّ تجمعٍ يزيد عن خمسة أشخاص في الأماكن العامة، حيث نصت المادة 121 من قانون الصحة العامة على "معاقبة كل شخص امتنع عن تنفيذ أي إجراءات لمنع انتشار المرض، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ألف دينار، ولا تتجاوز عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين".

من ناحيةٍ أخرى، يتّضح أن القوات المسلحة في العديد من دول العالم كان لها دورٌ ملموسٌ في إيصال المواد الغذائية إلى السكان في فترات حظر التجوّل، وهو ما اتضح في التجربة الأردنية، بل أن بعض الدول باشرت فوراً بتقديم دوراتٍ تدريبيةٍ متخصصة لكيفية التعامل في مثل هذه الأزمات لتأهيل أفراد القوات الأمنية والقوات المسلحة. وفي العراق أعلنت خلية الإعلام الأمني التابعة للجيش عن تشكيل "خلايا أزمة" برئاسة المحافظين وعضوية قادةٍ عسكريين، بهدف ضبط الأمن وفرض القانون في المحافظات.

خلاصة القول هي أن القوات الأمنية والقوات المسلحة – رغم تباين أدوارها من دولةٍ لأخرى خلال هذه الأزمة – قد اضطلعت بدورٍ محوريٍّ، خاصةً في ظل ضرورة إجبار المخالفين للقرارات الحكومية الهادفة لحماية حياة الإنسان وسلامته. وبوجهٍ عام، هنالك خمسُ مجالاتٍ يمكن أن تسهم فيها الجيوش في مثل هذه الأزمات، وفقاً للجنرال السير نيكولاس كارتر، قائد الجيش البريطاني، وهي:

أولاً: الموارد البشرية المدربة والمنظمة التي تضمّها الجيوش.
ثانياً: الدعم الطبي، سواءً بما تمتلكه الجيوش من إمكاناتٍ طبية، أو قدرتها على المساعدة في توزيع المستلزمات الطبية والمعيشية بشكلٍ سريعٍ ومنظم.
ثالثاً: الخدمات اللوجيستية، سواءً من حيث سرعة تقديمها أو مستواها النوعي.
رابعاً: فرض الأمن والنظام، مع أنه صميم عمل قوات الأمن، لكن ذلك قد يخرج أثناء الأزمات عن سيطرة قوات الأمن بمفردها، مما يستدعي إسنادها من قبل الجيش.
خامساً: بث الطمأنينة في نفوس المواطنين، حيث ارتبط اسم الجيش في أذهان المواطنين بالحروب، وبالتالي يصبح تدخّل الجيوش بمثابة رسالة للمواطنين بأن الدولة بكافة أجهزتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية في حالة تأهُّبٍ قصوى لمواجهة هذا التحدي. وتأسيساً على ما سبق، لم يكن مستغرباً ظهور مطالباتٍ في بعض الدول بأن تتولى وزارة الدفاع إدارة الأزمة، وعدم اقتصارها على وزارة الصحة، باعتبار أن أزمة كورونا كانت تحدياً للأمن القومي للدول كافة، وليست مجرد تحدياً صحياً.
ثانياً: الآليات القانونية
رغم أحقية الدول خلال الأزمات في تطبيق كافة الإجراءات القانونية التي تراها لازمةً للحفاظ على أمن المواطنين والمصلحة العامة، بما فيها قوانين الطوارئ، فقد تباينت الدول في تطبيق هذه الآلية، وبوجهٍ عام، تراوحت عقوبات مخالفي قرارات فرض الحظر ما بين الغرامات المالية والحبس، ولعل السبب في ذلك يعود إلى الطبيعة المفاجئة للأزمة، والتي تطلبت مثل هذه الإجراءات، فضلاً عن أن المجتمعات في كافة أنحاء العالم لم تكن مهيّأة لمواجهة هذه الأزمة، إلا أن بعض الدول قد اضطرت لاستصدار تشريعات تتضمن تغليظ العقوبة على من ينتهك إجراءات فرض الحظر، مثل دولة الكويت، حيث أصدر مجلس الأمة الكويتي تشريعاً يتضمن عقوباتٍ مشددة على المخالفين للقرارات بشأن أزمة كورونا. وفي فرنسا، وافق البرلمان على قانونٍ يخوّل الحكومة بفرض قوانين تقيّد حركة تنقل المواطنين، وإلزام المخالفين بدفع غرامات مالية تبدأ من 138 يورو لكل من ينتهك قواعد الحجر الصحي. أما في إيطاليا، فقد تضمّن مرسومٌ حكومي نصّاً قانونياً للعقوبات في حال عدم الامتثال للقواعد الصحية، وانتهاك القيود التي فرضتها على حرية التنقل والمطاعم والمحلات التجارية ومراكز التسوق. وخلاصة القول أنه في حالات الأزمات والكوارث، يصبح من حق الدولة اتخاذ ما تراه ضرورياً من الإجراءات للحفاظ على أمن وسلامة المجتمع، ولا يجوز التذرّع بمسألة الحريات العامة والشخصية، ولا غيرها من مفاهيم حقوق الإنسان التي تنادي بها المنظمات المعنية بهذا الشأن، بل طبقت بعض دول العالم عقوباتٍ على مروّجي الإشاعات خلال تلك الأزمة.
ولكن مع أهمية هذه الإجراءات، فقد تبيّن تفوّق بعض الدول في نوعيتها وتطبيقها، وهنا يمكن الإشارة إلى نموذجين مهمّين:
الأول: المملكة العربية السعودية، التي لم تكتفِ بفرض حظر التجوّل فحسب، بل حظرت التنقل بين مناطق المملكة الثلاث عشرة، وهو ما استفادت منه في التعرف على أكثر المناطق تضرراً، وتركيز جهود المكافحة عليها بشكلٍ أكبر.
الثاني: المملكة الأردنية الهاشمية، التي أتبعت فرض حظر التجوال بالسماح للمواطنين جزئياً بالذهاب لشراء احتياجاتهم من المتاجر الصغيرة، باستثناء الفئات العمرية ما دون 16 عاماً أو فوق 60 عامٍ من التسوق، ما يعني الرغبة في حماية هاتين الفئتين الأكثر عرضة من العدوى، وكان هذا إجراءً مهماً للغاية، بالإضافة إلى قرار الحكومة الأردنية عزل مدينة إربد بالكامل عن سائر المناطق، كإجراءٍ احترازيٍ مهم، في ظل تزايد عدد الإصابات في تلك المدينة إثر حفل زفافٍ حضره شخصٌ يحمل العدوى قَدُم من إحدى الدول الأوروبية.
والواقع أن العبرة ليست بإصدار القوانين، ولكن في كيفية تنفيذها، خاصةً في ظل الأزمات التي تربك كل فئات المجتمع.
ثالثاً: الآليات الإعلامية
يؤدي الإعلام دوراً مهماً في الأزمات، ولقد ازداد ذلك الدور أهميةً في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة واختصارها للمسافات، ويلاحظ أن أداء وسائل الإعلام الغربية والعربية قد تطور مع تطور الأزمة ذاتها. ففي البداية، اقتصر هذا الدور على نقل الأخبار، خاصةً من الصين، التي كانت مركزاً لظهور الوباء، إلا أنه تبيّن أن هذه الوسائل قد خصصت جلّ نشاطها اليومي لتقديم أحدث التقارير التي تضمنت أرقاماً عن المصابين والمتوفين جراء هذا الوباء في كافة دول العالم. كما قدمت هذه الوسائل التحليلات العامة والعلمية عن كيفية التعرّف على الإصابة بهذا الفيروس وطرق الوقاية منه، باعتباره أمراً علمياً مستجداً، تجب الإحاطة بكافة جوانبه وعدم ترك الساحة أمام الإشاعات المفزعة، حيث تبيّن أن الخبر الرسمي كان هو المتصدر للمشهد اليومي في كافة الدول. ففي ظل أزماتٍ كهذه، يبحث الناس عن ملاذٍ إعلاميٍ آمن، يتمثّل في التصريحات الرسمية، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تعجّ بالإشاعات، وينبغي التأكيد على أن مهمة الإعلام تُعد صعبةً للغاية خلال الأزمات، وفي هذا السياق، يقول الدكتور ستيفن مورس، الأستاذ المتخصّص في علم الأوبئة بجامعة كولومبيا: "إنّ الصحفيين يواجهون صعوبةً في تحقيق توازنٍ بين إعلام الجمهور بما يحدث، وبين تجنّب إثارة الخوف والذعر خلال تغطية الأزمات".
وبوجهٍ عام، يمكن القول بأن كافة وسائل الإعلام في دول العالم قد تميز أداؤها بعدّة خصائص، منها عدم الاكتفاء بنقل الخبر، وإنما التوعية والتثقيف للجمهور بشأن الوقاية من هذا الفيروس، حتى أنّه تم تخصيص بعض الفقرات الإعلانية، التي تخلّلت نشرات الأخبار في بعض القنوات الإخبارية، لشرح أعراض ظهور الوباء. من ناحيةٍ ثانية، اتخذ الإعلام اتجاهاً مغايراً، بخلاف المعتاد خلال الأزمات، حيث كان دائماً ما يوجه سهام النقد للأجهزة الحكومية خلالها، ولكن تبيّن وجود ما يشبه الوحدة بين الخطاب الحكومي الرسمي وخطاب وسائل الإعلام، فكان دور وسائل الإعلام هو إيضاح خطط الحكومات وشرحها من خلال برامج مختلفة، الأمر الذي أسهم إلى حدٍّ كبير في توعية المجتمعات بمخاطر هذا الوباء. من ناحيةٍ ثالثة، تبيّن حرص وسائل الإعلام المختلفة على استضافة من لهم صلة مباشرة بالموضوع، سواءً من الناحية الطبية، أو من ناحية إدارة الأزمات، أو التداعيات الاقتصادية والسياسية، وضمن هذا السياق، تبيّن إشادة بعض التقارير بأداء وسائل الإعلام في بعض الدول العربية.
مع أهمية ما سبق، فإن أزمة كورونا قد كشفت الحاجة إلى ثلاثة أمور تخصّ أداء الإعلام عموماً، وأدائه خلال الأزمات على نحو خاص:
أولاً: الصحافة العلمية، التي لم يكن هناك اهتمامٌ بها إلا من خلال صفحة واحدة أسبوعية في الصحف، ولكن في أعقاب هذه الأزمة، ستستمر الحاجة إلى المزيد من الاهتمام بالصحافة الطبية على نحوٍ خاص.
ثانياً: أهمية وجود متحدثٍ إعلامي خلال الأزمات لإطلاع المجتمع على أبرز المستجدات.
ثالثاً: مذيعو الأزمات، وهم أفرادٌ يتم تدريبهم للعمل خلال الأزمات على نحوٍ خاص، بحيث يمكنهم تقديم مادةٍ إعلاميةٍ متوازنة، تجمع بين الحقائق وبث الطمأنينة في نفوس الجمهور المتلقي.
رابعاً: دور المجتمع المدني والعمل التطوعي
خلال الأزمات والكوارث الشاملة التي تصيب كافة قطاعات المجتمع، قد تفتقر أجهزة الدولة الرسمية للقدرة على تلبية احتياجات كافة المواطنين، وهنا يبرز دور مؤسسات المجتمع المدني، من خلال تقديم المساعدات بكافة أشكالها للتكامل مع الجهود الحكومية، وتؤدي دوراً مهماً، وذلك لسببين، الأول: درايتها بالأفراد المحتاجين إلى مساعداتٍ عاجلة، والثاني: قدرتها على الوصول إلى هؤلاء الأفراد في ظل ما تفرضه الحكومة من حالاتٍ لحظر التجوّل. من ناحيةٍ ثانية، فإن الجهود التطوعية مطلوبة، وقد تجلّت بالفعل خلال أزمة كورونا، والأمثلة على ذلك عديدة، منها إعلان المتطوعين الشباب تصدّيهم لمهمة تعقيم قريتهم في محافظة الوادي الجديد بجمهورية مصر العربية، الأمر الذي حدا بالعديد من الشباب في القرى الأخرى في بقية المحافظات المصرية للاقتداء بهم، خاصةً على صعيد جهود التوعية أو توزيع الأقنعة الواقية وغيرها من الجهود التطوعية، وتأسيس عددٍ من الأطباء بمصر "مجموعات" على وسائل التواصل الاجتماعي للرد على استفسارات المرضى مجاناً، ووصولاً إلى استجابة الشعب البريطاني لنداء رئيس الوزراء بوريس جونسون بالتطوّع لدعم الجهود الحكومية لمواجهة فيروس كورونا، حيث بلغ عدد المتطوعين حتى كتابة هذه الأسطر حوالي نصف مليون فرد، وسوف يتم تكليف المتطوعين بنقل المستلزمات الطبية من مستشفى إلى آخر، أو بإيصال الدواء والغذاء للمرضى الممنوعين من مغادرة منازلهم، أو بمحادثة المعزولين هاتفياً لتخفيف الشعور بالوحدة عنهم. أما دول الخليج، فقد شهدت نشاطاً تطوعياً متميزاً في الوقت ذاته. ففي مملكة البحرين، أعلنت الحملة الوطنية لمكافحة كورونا عن فتح باب التطوّع للعمل في المجالين الصحي والإنساني، وهو الأمر الذي وجد استجابةً فورية، حيث تلقّت اللجنة خلال الساعات الأولى من الإعلان تأكيد 12,700 مواطنٍ استعدادهم للعمل التطوعي. أما في سلطنة عمان، فقد أعلنت اللجنة الوطنية للشباب عن فتح باب التطوّع لمواجهة فيروس كورونا. كما شهدت المملكة العربية السعودية إطلاق مبادرةٍ من جانب وزارة الصحة بعنوان "متطوّعٌ صحيٌّ مستعد". وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تم إطلاق مبادرة بعنوان "مدينتك تناديك للتطوّع". وفي دولة الكويت، أعلنت وزارة الداخلية فتح باب التطوّع للمواطنين بالإدارة العامة للدفاع المدني، للتدرب على مواجهة حالات الطوارئ، واتخاذ جميع الوسائل والإجراءات ضد أي مخاطر، وجميعها نماذجٌ تؤكد أهمية تكامل الجهود الحكومية مع نظيرتها من المجتمع المدني خلال الأزمات، ويعيد ذلك إلى الأذهان الخطر الثلاثي الذي واجهته اليابان عام 2011م، حيث واجهت زلزالاً مصحوبًا بموجة تسونامي، وترتب على ذلك تسرّبٌ إشعاعيٌّ من أحد المفاعلات النووية، إلا أن جهود المجتمع المدني التي كانت محل إشادة كافة دول العالم كان لها بالغ الأثر في التخفيف من حدة تلك الأزمة الثلاثية.
خامساً: الآليات الاقتصادية
لا شكَّ أنَّ وباء كورونا كان تحدياً هائلاً للاقتصاد العالمي، نظراً لتأثيره الشامل على كافة القطاعات الاقتصادية في وقتٍ متزامن، وبعيداً عن الخوض في تفاصيل الأرقام – وهي عديدة، فإن التساؤل هو "كيف أدارت دول العالم أزمة كورونا اقتصادياً؟"، وبدايةً تبيّن بدء كافة الحكومات بتقديم معوناتٍ ماليةٍ عاجلة للطبقات محدودة الدخل، والتعهد بدفع رواتب الموظفين لعدة أشهر، والأمثلة في هذا الشأن عديدة لا يتسع المجال للحديث عنها في هذا التقرير المختصر، ومع أهمية تلك الجهود، فإن المجتمع الدولي لا يزال يعوّل على الجهود الجماعية للتعامل مع تداعيات أزمة فيروس كورونا، وهنا يمكن الإشارة إلى خمس مؤشراتٍ مهمة:
أولاً: القمة الافتراضية لمجموعة العشرين، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2020م، والتي أكد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود خلال كلمته فيها على أن "العالم يعوّل على تكاتف دول مجموعة العشرين لمواجهة كورونا"، مضيفاً أنه "يجب تنسيق استجابةٍ موحدةٍ لدول مجموعة العشرين في مواجهة هذه الجائحة"، مؤكداً على أنه "لمجموعة العشرين دورٌ محوريٌ في التصدي لآثار كورونا". الجدير بالذكر أن قادة مجموعة العشرين قد اتفقوا على ضخّ أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، باعتباره جزءًا من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية، وخطط الضمان المُستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية لفيروس كورونا.
ثانياً: قرار قادة الاتحاد الأوروبي في 26 مارس 2020م منح وزراء المالية والخزانة في منطقة اليورو خمسة عشر يوماً لإيجاد خطةٍ مشتركة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لأزمة فيروس كورونا، والذين قرروا في 9 أبريل تقديم حزمة إنقاذ بقيمة 500 مليار يورو للدول الأكثر تضرُّراً من وباء كورونا.
ثالثاً: إعلان صندوق النقد الدولي في 6 مارس 2020م عن رصد مبلغ 50 مليار دولار لدعم الدول المتضررة من تفشّي فيروس كورونا.
رابعاً: إطلاق الأمم المتحدة في 25 مارس 2020م خطة استجابةٍ إنسانية عاجلة بقيمة 2 مليار، لمساعدة البلدان في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية، وسيتم تنفيذها بواسطة وكالات الأمم المتحدة.
خامساً: الحوار الأمريكي-الصيني، فبعد اتهاماتٍ متبادلة بين الولايات المتحدة والصين حول المسؤولية عن تفشّي الفيروس، أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إتصالاً هاتفياً بنظيره الصيني في 27 مارس 2020م، مؤكداً على أن الصين أضحت ذات خبرة في التعامل مع الفيروس، وأكد الرئيس الصيني ترحيبه بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول العالم في هذا الشأن.

قد يهمك أيضا

الولايات المتحدة تودع 1920 من ضحايا "كورونا" في يوم حزين آخر

الكشف عن عدد الأطباء المصابين بفيروس"كورونا" في مصر رسميًا