العالم من دون ترمب
نتنياهو يجري الاثنين أول نقاش مع القيادات الأمنية حول الموقف من الاتفاق النووي الإيراني "الديري" عصابات من الأجانب بسوق العمل المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية يعلن عن وجود إصابات في صفوف الأطفال والشباب بالسلالة المتحورة في العراق مقتل قيادي في ميليشيا حزب الله العراقية جراء انفجار عبوة ناسفة بمحافظة بابل مجلس التعاون الخليجي يدعو للتهدئة في الصومال وحل الخلافات بالطرق السلمية إيران تتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسريب تقارير سرية عن نشاطها النووي الشرطة الأفغانية تعلن عن 3 انفجارات منفصلة في العاصمة الأفغانية كابول تخلف 5 قتلى على الأقل وجريحين الخارجية السودانية تعلن أن وزارة الخارجية الإثيوبية أصدرت بيانا مؤسفا يخوّن تاريخ علاقات إثيوبيا بالسودان وينحط فى وصفه للسودان إلى الإهانة التي لا تغتفر السودان يطالب أثيوبيا بالكف عن "ادعاءات لا يسندها حق ولا حقائق" الخارجية السودانية يؤكد أن السودان لا يمكن أن يأتمن إثيوبيا والقوات الأثيوبية على المساعدة فى بسط السلام وتأتي القوات الأثيوبية معتدية عبر الحدود
أخر الأخبار

العالم من دون ترمب!

العالم من دون ترمب!

 صوت الإمارات -

العالم من دون ترمب

سليمان جودة
بقلم: سليمان جودة

في إحدى قصصه القصيرة كان نجيب محفوظ قد راح يصوِّر منذ وقت مبكر، كيف أن الإعلام يملك القوة التي تجعل الأشياء موجودة ومؤثرة للغاية، أو يجعلها غير موجودة وغير مؤثرة على الإطلاق بالدرجة نفسها، كما سوف نرى من سياق هذه السطور!

كان ذلك منذ وقت مبكر لأن القصة التي صوَّرت هذا الموضوع، نُشرت ضمن مجموعة قصصية في طبعتها الأولى عام 1962، وكانت المجموعة تحمل هذا العنوان: «دنيا الله»!
القصة عنوانها «ضد مجهول» وكانت تدور في حي العباسية، أحد أحياء القاهرة القديمة، وكان البطل فيها ضابط بوليس ظل من أول القصة إلى آخرها يبحث عن الجاني في جرائم متكررة، كان مرتكبها يقترفها بطريقة واحدة وأسلوب واحد لم يكن يتغير ولا يتبدل، من دون أن يترك وراءه أي أثر يمكن الاستدلال به عليه!

كان أبناء الحي العتيق يستيقظون كل أسبوع أو أسبوعين على جريمة جديدة، وكانوا يعثرون على المجني عليه مخنوقاً بحبل دقيق يدور حول الرقبة، ولم يكن الأسلوب يختلف مع تنوع شخصيات المجني عليهم، وفي كل مرة كان الضابط يكاد يصاب بالجنون، لأن الجاني كان يبدو كأنه هبط من كوكب آخر إلى الأرض ليرتكب جريمته ثم يعود إلى حيث كان، أو يتبخر تماماً، إذا شئنا الدقة في التعبير، عما كان يحدث، وعما كان الضابط يجد نفسه في مواجهته في كل المرات!

وقد وصل الأمر إلى حد أن الأهالي عثروا ذات يوم على قتيل جديد، ألقى القاتل جثته على جدار من الجدران الخلفية لقسم الشرطة، وإلى الدرجة التي كان الضابط الحائر يستطيع معاينة الجثة من نافذة مكتبه الذي يطل على موضع إلقاء جثة القتيل!

ووصلت الأمور إلى ذروتها في يوم آخر عثروا فيه على جثة الضابط نفسه في مكتبه، بعد أن أنهى القاتل المتخفي حياته بالطريقة ذاتها التي قضى بها على كل الذين سبقوه!
وقد شاع الذعر في أنحاء الحي، وبلغ الهلع حد أن أبناءه الذين يستطيعون مغادرته قد غادروه، ودعا مدير أمن القاهرة إلى اجتماع في مكتبه حضره كل ضباط مباحث العاصمة، وانتهى الاجتماع إلى التوجيه باستمرار البحث بقوة عن الجاني، ثم انتهى إلى قرار غريب من المدير كان هو اللافت في الموضوع!
كان القرار أن يتوقف النشر عن الجرائم التي جرى ارتكابها، وكذلك عن أي جريمة جديدة تقع، وكان تقدير صاحب القرار في حينه، أن الخبر إذا اختفى من الصحف فإنه يختفي من الدنيا!

لاحِظْ أننا نتحدث عن بداية الستينات من القرن الماضي، وأن القصة التي نشرها أديب نوبل في كتاب عام 1962، قد كتبها بالضرورة قبل ذلك بفترة، ومن المحتمل أن يكون قد كتبها نهاية الخمسينات، أي قبل بدء بث إرسال التلفزيون في البلد أصلاً، وفي وقت كان الإعلام المؤثر يتمثل في صحف حكومية ثلاث ولا يتمثل في سواها، باستثناء الإذاعة طبعاً التي كانت قد سبقت قبل ذلك بثلاثة عقود!

وكان المعنى أن الإعلام وقتها هو الصحف الحكومية الثلاث الموجودة ومعها الإذاعة، وكان المعنى أيضاً أن ما يجد سبيله إلى الناس من خلالها هي الثلاث صحف ومن خلال الإذاعة، هو فقط الذي تستطيع أن تصفه بأنه موجود في حياة المواطنين، وأن ما يضل السبيل إلى الإذاعة والصحف الثلاث، لا تستطيع أن تصفه بأنه موجود ولا بالتالي مؤثر، لأنه ببساطة لا أحد يتكلم عنه ولا يتناوله!

وهذا بالضبط ما كان مدير الأمن يراه، وهو يفكر في طريقة توقف الفزع الذي استولى على أبناء الحي، ثم استولى على أنحاء العاصمة بكاملها، بل البلد كله مع الحي والعاصمة، من جراء جرائم كانت تظهر في أعين الضباط المعنيين بمقاومة الجريمة أنفسهم، كأن واحداً من الجن يرتكبها واحدة تلو الأخرى مطمئناً إلى أنه جنٌّ لا تراه العين!

كان محفوظ يستشرف المستقبل بشكل عجيب، وكان يرى من هناك في بدء ستينات قرن مضى، ما سوف نجد أنفسنا منشغلين به في بدء العقد الثالث من القرن الجديد!
إنني أتساءل منذ العشرين من الشهر الماضي، عن رجل كان إلى قبل هذا اليوم بساعة واحدة يتهيأ لمن يتابع أخباره، كأن شاعرنا أبو الطيب المتنبي كان يقصده على وجه التحديد، عندما تحدث في زمانه عن شيء أو عن رجل يمكن أن: يملأ الدنيا ويشغل الناس!

هذا الرجل لا بد أنك خمّنت اسمه، إذا كان قد فاتك أن ترى الاسم في عنوان هذه السطور، فإنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي لمّا تخلى عنه الإعلام بكل معانيه وتجلياته العصرية، اختفى عن الأنظار في لحظة وطواه النسيان!
من الجائز بالطبع أن تلمح اسمه هنا، أو أن تطالع صورته هناك، ولكن أين مثل هذا الظهور العابر من زمن كان الرجل فيه يطغى إعلامياً على كل ما سواه، وكان هو محط العيون في كل اتجاه، ومهبط الكاميرات في كل مكان قد يحل فيه؟!

وإذا شئنا الدقة أكثر، كان لنا أن نقول إن الرجل قد ابتلعه النسيان المفاجئ في الإعلام، بعد أن فقد القدرة على التأثير قبل العشرين من الشهر الماضي ببضعة أيام، وتحديداً منذ السادس من الشهر ذاته، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، على نحو فريد لم تشهد البلاد مثيلاً له على مدى تاريخها الممتد لقرنين ونصف قرن من الزمان!

فبعد ساعات من واقعة الاقتحام التي هزّت الولايات المتحدة وصدمت العالم، كانت إدارات مواقع التواصل الاجتماعي قد بادرت فتعاملت مع ترمب، بذات الطريقة التي تعامل بها مدير أمن القاهرة مع الجاني الذي كانت جرائمه قد روّعت الحي والعاصمة!

إننا إذا رفعنا مدير الأمن من القصة، ووضعنا في مكانه مدير موقع «تويتر» على سبيل المثال، ثم إذا رفعنا كلمة الجاني من قصة محفوظ، ووضعنا في محلها اسم الرئيس الأميركي السابق، فلن يختلف الحال في قليل ولا في كثير، وسوف يظل تماسك القصة كما هو في وقت كتابتها من دون تغيير في شيء!
كان قد تبين أن الرئيس السابق يعيش ويتنفس في إعلامه الخاص، وكان قد خاصم الإعلام التقليدي منذ أن كان مرشحاً في سباق الرئاسة، وكان رهانه كله على حسابه الإلكتروني في «تويتر» وفي غير «تويتر»، وكان يغرد فيملأ الدنيا ويشغل الناس، ولم يكن يجري في خياله أن يوماً يمكن أن يجيء فيكتشف فيه أن سلاحه الأهم قد جرى نزعه من يده، وأنه من غير هذا السلاح يظل أقرب إلى الغياب منه إلى أي حضور!

كان موجوداً بالطبع كإنسان وقت فرض الحظر على حسابه، ولا يزال موجوداً بالصفة الإنسانية نفسها بعد فرض الحظر، ولكن الموضوع هو وجوده المؤثر في دنيا الناس، تماماً كما كان قاتل العباسية الخفي موجوداً في مكان لا يعرفه أهل الحي، ولكنهم كانوا يعاينون أثر وجوده بكل الحواس، وبكل ما هو فوق الحواس المتعارف عليها في حياة البشر!

والقصة أن الإعلام إعلام في الحالتين، ولا يختلف حاله من إذاعة وصحف ورقية كانت وحدها تنشر أنباء قاتل العباسية فتؤسس لتأثيره قبل وجوده، إلى فضاءات غير مرئية كان شاغلها الأميركي يصول فيها ويجول، فكان تأثيره يتأسس من خلالها قبل أن يكون له وجوده الشخصي بكل معناه!
الإعلام إعلام في كل الأوقات، ولكن نفي التأثير النافذ عبر فضاءاته بأي حيلة، لا يمكن طبعاً أن ينفي حقيقة الوجود!

نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط" .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم من دون ترمب العالم من دون ترمب



GMT 20:50 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

لغة الإنسان

GMT 20:48 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

تجربة البحرين في التعامل مع كورونا... نجاح مبهر

GMT 20:41 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

الأستاذ فوزي والتلميذ بليغ

GMT 20:38 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

خليل حيدر وجريمة النخب العربية!

GMT 20:36 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

الرأي الذي لا تريد سماعه

GMT 07:22 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج السرطان

GMT 20:55 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 10:48 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الجمعة 31 نوفمبر / تشرين الثاني لبرج الجدي

GMT 00:00 -0001 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

شهر مفصلي أنت على مفترق طريق في حياتك وتغييرات كبيرة

GMT 12:29 2017 الأربعاء ,29 آذار/ مارس

أمينة بالطيب تُشير إلى سبب حبها لمجال الرسم

GMT 17:02 2017 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

كلبٌ وحكيم

GMT 13:04 2021 السبت ,20 شباط / فبراير

فيل يحول أحد أعضائه إلى خرطوم إطفاء

GMT 18:42 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

موديلات فساتين زفاف صيفية للعروس العصرية

GMT 19:15 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

نادر السيد ضيف إبراهيم فايق في "نمبر وان"

GMT 01:02 2018 الخميس ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي علي ماسكات جمالية من قشور الليمون عليكِ تجربتها

GMT 06:59 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

اكتشفي اسهل طريقة تبييض الوجه وتقشيره بالقهوة

GMT 01:55 2015 الأحد ,05 تموز / يوليو

سانتي مينا ينتقل إلى صفوف "فالنسيا" رسميًا

GMT 20:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكر النسونجي

GMT 17:37 2012 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

مرصد الإمارات الفلكي يحيي الليلة العالمية للقمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جمي الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
2025 جمي الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
albahraintoday albahraintoday albahraintoday
albahraintoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.
Beirut Beirut Lebanon