بقلم : علي ابو الريش
نستخف ولا نكترث، نمتعض ونعترض على إشارة حمراء، تنبهنا بأن تجاوز الحقيقة نذير بخطر مريع.
نستخف، ونمضي في غلوائنا باتجاه ارتكاب الأخطاء، معتبرين ذلك شيئاً من البطولات التي ينجزها الإنسان في حياته.
في شوارع الحياة هناك حزمة من الإشارات الحمراء، يلقيها علينا الضمير، ولكننا عندما نمتطي صهوة الأنانية، لا تثنينا إشارة، ولا تنهينا عبرة، عن تجاوز الحدود، وعبور المناطق الممنوعة.
نستخف، ونعتلي ربوة الرغبات، وفي عيوننا تلمع نخوة بدائية، تدفعنا كي نخوض الغمار بلا هوادة، وندخل معترك الحياة ونحن مغمضي العيون، ونقف خلف سحابة من دخان حماقتنا، ولا نتوقف، لأننا وقفنا، كما وقف ذاك الذي قال، سأقف على جبل يعصمني من الماء.
ولا جبل في الحياة يحمينا، ويضمنا طالما وقفنا عند حواف القيم البالية، وطالما ولجنا أنهاراً وهمية، واعتلينا ظهور جبال خيالية. نحن بحاجة إلى الوعي قبل الجبال، نحن بحاجة إلى النور قبل الأقدام التي تحملنا إلى فراغات الوجود. ولكن عندما تمتلئ قلوبنا بزخات من حثالة وبقايا قهوة بائتة، فإننا نشعر برغبة جامحة في بعث الميت في داخلنا، وهدهدته، وتمليس شعيرات رأسه، لعله يصحو، ويغالب نعاسه، وينتصر على الكسل.
كل ذلك نفعله عندما تشرئب أعناقنا، وتمتلئ عروقنا بدماء الخديعة البصرية، ونظن أننا نستطيع تجاوز حدود الإشارات الحمراء، ونحقق مرادنا، لا مراد حقيقتنا.
نستخف، بما قالته الموجة للشاطئ، وبما وشوشت به للمحارات التي كانت تستلقي على الرمل، وتنتظر ما سيسفر عنه البحر، بعد مخاض المد، والجزر.
نستخف ولا نعرف أن الأحلام تحتاج إلى عيون صافية، ترى الأشياء من خلف الحجب، وأن الأحلام تحتاج إلى عقول أشف من ريق النهر، وأعظم من جداول الجبال الشم.
نستخف ونحن الأضعف من جناح بعوضة، وننسكب في الوجود مثل قطرات تائهة، تطيح بها الريح، وتقذفها على أجنحة الغيب.
نستخف، ونحتدم، ونصطدم، بعسف، ونسف، وقصف ورجف، وخسف، ولكننا لا نرتدع، ولا نبدع غير المزيد من الزبد.
نستخف، ونحن بحاجة إلى وعينا، كي نكبح الجماح، ونضمد الجراح، ونحمي أنفسنا من تقرحات الذات إثر نزوحها صوب الأشواك الوهمية، وتقلبها بين اللظى، والتشظي.
نستخف، ونحن بحاجة إلى العقل، كي نقي أنفسنا من الضياع في غابة الغي، وطغيان الأنانية. نستخف ونحن لسنا بحاجة إلى أكثر من الحب، كي يدلنا على الطريق، دون تجاوز الإشارة الحمراء، ودون الاصطدام بالحقائق.