حسن البطل
على غير جاري عادتي، وضعت خطاب د. خليل هندي، رئيس جامعة بيرزيت على صفحتي. الجامعة خرجت دفعات الفوج الـ ٤٠.
ربما ينتهي «موسم التخريج والتفويج» مع بدء شهر الصيام، ونهاية هذا الشهر ينهي الهندي رئاسة خمس سنوات لأقدم الجامعات الفلسطينية في تكريمه، بالأمس وخز قلبي بعبارته : «هذه المرّة الأولى التي أعيش فيها في بلد كل من حولي فلسطينيون».
هو يغادرنا الى جامعته في بيروت (الجامعة الأميركية) وهي في العالم العربي كما بيرزيت في فلسطين. هو يغادر وأنا باق.
أوائل أيام عودتي «الى الجزء المتاح من الوطن» كما يقول احمد دحبور سألت: لو يد مارد عملاق احتضنت جمعاً من الناس.. فكم فلسطينياً بينهم؟. الحياة جملة من «المرات الأولى» وبهذا شعر الهندي بما شعرت، لكن في خطاب الوداع ما شجعني على نشر زبدته، بعد ان شاركت في وضع الخطاب على صفحتي.
يقولون: الحكمة تلزمها حكمة: «.. نصيحتي الأولى هي إياكم والوقوع في مرض اداري عضال، هو مرض السابقة الخطرة. يقال ان هذا المرض يستشري، اكثر ما يستشري، في المؤسسات الأكاديمية (..) لكنني والحق يقال رأيت هذا المرض متفشياً في مؤسساتنا كلها، ورأيته يصيب كافة الأعمار وعلى كافة المستويات. ما هو مرض السابقة الخطرة هذا.
في أوائل القرن الماضي، أصدر أحد أكاديميي جامعة كامبرج في انكلترا كتيبا بعنوان «دراسات في علم الأكاديميا الصغير (..) لا يزال هذا الكتاب، رغم قدمه النسبي، واسع الانتشار، ما يعني انه اجتاز اختبار الزمن.
وصف هذا الكتاب مرض «السابقة الخطرة» كما يلي: «اذا ما واجه المصاب به مسألة صعبة لجأ الى التسويف والمماطلة والمناورة والمداورة والأخذ والرد، إما لأنه يفتقر الى الشجاعة الكافية لاتخاذ القرار الصائب، او لأنه، حتى لو توفرت له هذه الشجاعة، يخشى ان يشكل القرار الصائب خطوة ترتد عليه اذا ما واجه في المستقبل مسألة صعبة نظيرة او شبيهة (..) لذا يجب الا يفعل اي شيء على الإطلاق.
«واضح ان مرض السابقة الخطرة هذا يحول دون تقدم المؤسسات وتطورها، ويفقدها شجاعة التغيير والتجديد (..) كما انه على صعيد الأشخاص يقضي على ملكة الإبداع والابتكار والريادة، وشق طرق لم يعرفها آخرون، وربما لم تحلم بها الإنسانية.
(..) نصيحتي الثانية لكم هي: اياكم والوقوع ضحية مرض فقر التوقعات. هذا المرض يجعل الطالب لا يتوقع من رئيسه الكثير، والرئيس لا يتوقع من مرؤوسيه الكثير، والناس لا يتوقعون من قادتهم الكثير، والأنكى ألاّ يتوقع المرء من نفسه الكثير (..) ليقل الواحد منكم لنفسه: لقد خلقت لأكون جميلاً قويا شجاعاً ذكيا».
* * *
تابعت، لماماً، موسم التفويج والتخريج في الجامعات، لكنني أعترف باهتمامي الخاص بتخريج وتفويج جامعات وكليات بعينها، وهي: بولتكنيك الخليل، جامعة خضوري، وكلية قلنديا، لأن خريجيها يركزون على ما نحتاج اليه، وتحتاج اليه البلاد من اختصاصات أكاديمية ومهنية لنهضتها، وتقليل نسبة البطالة بين الخريجين، وهي اخطر انواع البطالة.
* * *
الى مرض «السابقة الخطرة» ومرض «فقر التوقعات» قد أضيف مرضاً ثالثاً، وهو حداثة مفهوم الحريات الأكاديمية لدى قطاع عريض من طلاب الجامعات، فلا توجد قيود وحدود على حرية الفكر والاعتقاد، ولا محظورات ومحرمات في نقاش أي أمر او فكرة مهما كانت مخالفة او غير مألوفة، ومهما كانت جنسية المتحدث او المحاضر الضيف.