زهـــرة
نتنياهو يجري الاثنين أول نقاش مع القيادات الأمنية حول الموقف من الاتفاق النووي الإيراني "الديري" عصابات من الأجانب بسوق العمل المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية يعلن عن وجود إصابات في صفوف الأطفال والشباب بالسلالة المتحورة في العراق مقتل قيادي في ميليشيا حزب الله العراقية جراء انفجار عبوة ناسفة بمحافظة بابل مجلس التعاون الخليجي يدعو للتهدئة في الصومال وحل الخلافات بالطرق السلمية إيران تتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسريب تقارير سرية عن نشاطها النووي الشرطة الأفغانية تعلن عن 3 انفجارات منفصلة في العاصمة الأفغانية كابول تخلف 5 قتلى على الأقل وجريحين الخارجية السودانية تعلن أن وزارة الخارجية الإثيوبية أصدرت بيانا مؤسفا يخوّن تاريخ علاقات إثيوبيا بالسودان وينحط فى وصفه للسودان إلى الإهانة التي لا تغتفر السودان يطالب أثيوبيا بالكف عن "ادعاءات لا يسندها حق ولا حقائق" الخارجية السودانية يؤكد أن السودان لا يمكن أن يأتمن إثيوبيا والقوات الأثيوبية على المساعدة فى بسط السلام وتأتي القوات الأثيوبية معتدية عبر الحدود
أخر الأخبار

زهـــرة

زهـــرة

 صوت الإمارات -

زهـــرة

حسن البطل

جَنين سقيط في قارورة على الرف. قبضتاه مضمومتان أبداً. ركبتاه زاويتان قائمتان أبداً.. وعيناه مطبقتان أبداً. مومياء لا تهترئ أبداً. 
جَنين سقيط في حجم قبضتي غلام في العاشرة، وأصغر قليلاً من حجم قبضة اليد اليمنى لأبي الفلاح الخمسيني اللاجئ.
لوحة ايضاح، أو نحت حي/ ميت يسبح في فضاء من الماء (سأعرف لاحقاً أنه «فورمالين»). هذه عيادة الدكتور سعيد عودة. يأخذني أبي إليه. يضربني الدكتور إبرة في عضل عجيزتي اليمنى. وبعد يومين أو ثلاثة يضربني في عضل عجيزتي اليسرى. يوماً أعرج ساعات على قدمي، ويوماً آخر أعرج على قدمي الأخرى. ولد ضعيف البنية يحتاج حديداً سائلاً في لون ذلك الفورمالين في القارورة على الرف. خلاصة زيت كبد الحوت في مطعم الوكالة، وخلاصة الكبد في عجيزتي.   
د. سعيد، الستيني، أشيب الشارب، أشيب الشعر، وئيد الخطوة.. وعلى أرنبة أنفه نظارة الرجل العالم البيضاء (ستصبح موضة الشباب وأنا في عمر الخمسين).   
هل كان أبي يأخذني الى الدكتور سعيد لأنه لا يحب منافسه في القرية الدكتور صبحي طه، أو أنه يأخذني إليه ليلغطا وقتاً طويلاً عن الثورة السورية الكبرى، وعن نكبة فلسطين. أما الدكتور صبحي، الذي تفضله غالبية نساء القرية، لأنه شاب و»يحكّم بالبلاش» فهو في عمر أخي، الابن الكبير لأبي. والرجل الكبير لا يحكي ذكريات الحرب والثورة مع طبيب في عمر ابنه.  
مرة أخذتني أُمي الى صبحي هذا، فلم يكن على رف عيادته جنين سابح في الفورمالين، وليس في غرفة الانتظار سوى مجلات قديمة عن الحرب والسياسة. قلت لأمي: لن يضربني الإبرة غير الدكتور سعيد، حتى لو دفع أبي الفقير ليرتين للكشف الطبي كل شهر، ورُبع ليرة أجرة إبرة خلاصة الكبد التي تستقر في ربلتي عجيزتي على التوالي: اليمنى واليسرى.   
كان الدكتور سعيد عربياً من ايران ويحكي لأبي عن ريح حملته من الأهواز، الى صفوف ثوار غوطة دمشق بقيادة حسن الخراط. وحمل معه حبيبته الفارسية. صارت عجوزاً أكثر من أمي. لعلها كانت في صباها ثورية مثل روزا لوكسمبورغ، وفي خريف عمرها صارت مديرة أول مدرسة للبنات في القرية.   
بنات اللاجئين حاسرات الرؤوس، مثل ابنتيها: زهرة وسعاد. الدكتور سعيد غير مكنّى خلاف جميع رجال القرية. لم ينجب ولداً من زوجته، التي كانت تحنّ على ابن اختها كأنه ولدها.  
وأنا كنت أغار على البنت زهرة من ابن خالتها. ولد نحيف مثلي، يفوقني عمراً، ولكنه صحيح الجسم، جميل المحيّا.. لولا بثور لا حصر لها على صفحة وجهه.   
كانت البنت زهرة تفوقني عمراً بعامين، وتفوقني طول قامة. وفي عيادة أبيها تتصرف كما في بيتها، لأن العيادة في بيت أبيها. والبيت نفسه مدرسة بنات في الطابق العلوي. مدرسة خاصة برسوم رمزية جداً.   
صرت أحب يوم الإبرة، وصارت البنت زهرة تحبّ أن تجتاز غرفة العيادة.. كانت تضحك على عجيزتي ربّما. وصار خدّاها يحمرّان، ويهتزان مع خطواتها.   
دبيب خطوات العمر في خطوات الدكتور سعيد، وهذا الارتجاج في خديّ ابنته زهرة. سأكتشف أن شقيقتها الكبرى سعاد ترتجّ في خطواتها أيضاً.. ويرتجّ في جسدها كاعبان صغيران.   
كنتُ غلاماً غـرّاً لم يدرك سن الحلم، ولا يعرف سبباً ليبدأ الارتجاج الأنثوي في الخدين ثم في النهدين.. ثم في الوركين. خطوات أنوثة تبدأ بنداء حياء في الخدين، الى نداء إغواء في النهدين.. وأخيراً، تمشي البنت التي صارت صبية، كما تمشي المرأة مشية مارلين مونرو. وِركان يرتجان، نهود ترتجّ.. ويمحى ارتجاج الحياء في الخدين.   
كان الدكتور صبحي يروح ويجيء في سيارته الفارهة؛ والدكتور سعيد يسافر في باص الناس الى العاصمة الشام. وكانا يتقاسمان كل مرضى القرية، وفي أيام الانتخابات ينقسم رجال القرية بين الدكتورين المتنافسين على مقعد ريف دمشق في البرلمان السوري.   
في أيام وسنوات القلق، أوائل الخمسينيات، كانت تكثر الانقلابات العسكرية، فتكثر الانتخابات المزوّرة، وتتعدد المعارك بين الدكتورين: ابن البلد الشاب؛ والعجوز العربي اللاجئ من ثورة ايران الى ثورة سورية. وأنا أمزق سراً صور الدكتور صبحي، وأوزع علانية صور الدكتور سعيد. وأبي الذي يلغط ساعتين على الواقف مع الدكتور سعيد، يزوره مهنئاً إذا فاز؛ ويزوره مواسياً إذا خسر. وتزورنا الأمّ وابنتاها، لأنها معلمة أختي.   
يوماً بكى الدكتور سعيد، الفقير والثوري والمتحرر، لأن الدكتور صبحي فاز عليه بأصوات الشبعانين في ولائم الانتخابات. أبي الفلسطيني كان بلا صوت لأنه فلسطيني، وأنا وأصحابي الأولاد مزقنا كثيراً من صور الدكتور صبحي.. بلا فائدة.   
في ذلك اليوم كان حديث الدكتور طويلاً مع أبي. خلع سترة الطبيب البيضاء. خلع قميصه.. وبين عظمة المرفق وعظمة الكتف.. كان ذراعاه بلا عضلات. بل كان الجلد شبه ملتصق بالعظم. هذا وسام المناضل العتيق في الاعتقال الاستعماري الفرنسي.. أياماً طويلة مشبوح الذراعين حتى تلاشت عضلات ساعديه.   
صارت جميع أيام الأسبوع مثل «يوم الإبرة « أروح وأجيء بلا سبب أمام عيادة الدكتور/ منزله/ مدرسة زوجته. صارت البنت زهرة تمشي في الطريق فيهتز شيء في صدرها، ويهتز قلبي كثيراً. ويقول لي أصحاب الدكاكين: «يلّلا يا ولد.. روح. استحي».   
فجأة مات أبي. فجأة رحل الدكتور سعيد الى المدينة الكبيرة. فجأة اختفت زهرة الى الأبد.. دون أن أرى دبيب الارتجاج يهبط من خديها الى صدرها.. الى وسطها.
"الأيام"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زهـــرة زهـــرة



GMT 20:50 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

لغة الإنسان

GMT 20:48 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

تجربة البحرين في التعامل مع كورونا... نجاح مبهر

GMT 20:41 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

الأستاذ فوزي والتلميذ بليغ

GMT 20:38 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

خليل حيدر وجريمة النخب العربية!

GMT 20:36 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

الرأي الذي لا تريد سماعه

GMT 20:33 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

لقاح أميركي لمريض الشرق الأوسط

GMT 20:29 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

الفراشة تولِّد إعصاراً

GMT 20:26 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

عندما ولدت دولة كبرى هنا

GMT 06:17 2017 الثلاثاء ,12 أيلول / سبتمبر

عرض مسلسل "الشارع اللي ورانا" نهاية العام الجاري

GMT 01:13 2020 الأربعاء ,06 أيار / مايو

بثينة الرئيسي تعتمد أحدث صيحة لهذا الصيف

GMT 21:23 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تشغيل أكبر محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية بريف حماة

GMT 20:44 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة شعبان عبد الرحيم.. تعرف علي تفاصيل الساعات الأخيرة

GMT 17:51 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد أبو تريكة يعلق على تعيينه سفيرا لمونديال قطر2020

GMT 01:38 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

تركيا تعلن الاستيلاء على مدينة رأس العين شمال سورية

GMT 20:58 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

البواردي يستقبل السفير اليمني

GMT 17:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على مزايا وعيوب سيارة تويوتا "C-HR"

GMT 03:10 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عطر "Decadence Eau So Decadent" يُجسِّد المرأة القوية الحُرّة والأنيقة

GMT 16:30 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

جاي بيريمان يطلب الترخيص للمشاركة في سباق السيارات

GMT 10:17 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

حاربي التجاعيد وحب الشباب بهذا المكوّن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جمي الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
2025 جمي الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
albahraintoday albahraintoday albahraintoday
albahraintoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh, Beirut- Lebanon.
Beirut Beirut Lebanon